هل يجوز الاحتفال بميلاد رسولنا؟ وكيف؟
الاحتفال بمولد النبى
** قال الحـــافظ ابن حجر العسقلانى رحمه الله, ونقـــله عنه الإمام الصالحى فى سبل الهدى والرشاد فى سيــــرة خير العباد: أصل عمل المولد بدعة لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة, ولكنها مع ذلك قد اشـــتملت على محاسن وضــــدَّها, فمن تحرَّى فى عـــمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ومن لا, فلا . قال: وقد ظهر لى تخريجها على أصل ثابت, وهو ما ثبت فى الصحيحين من أن رسول الله قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عـــاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى فقال: "أنا أحق بموسى منكم, فصامه وأمر بصيامه", فيستفاد من فعل ذلك شكر الله تعالى على ما مَنَّ به فى يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة, ويعاد ذلك فى نظير ذلك اليــــوم من كل سنة, والشكرلله تعالى يحصل بأنواع العـــبادات والسجود والصيام والصداقة, والتــــلاوة, وأى نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبى الكريم نبى الرحــــمة فى ذلك اليــــوم ؟ قال: وأمَّا مـــا يعمل فــيه فينبغى أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالىمن نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطـــعام والصداقـــة وإنشاد شئ من المدائح النبـــوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخيرات والــــعمل للآخرة, وأما يتبع ذلك مباحًا بحيث يتعين السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به, ومهما كان حراماً ومكروهاً وكذا ما كان للأولى . انتهى .
** وقال الإمام السيـــوطى فى فتاويه: عندى أن أصل المولد الذى هو اجتماع الناس وقـــراءة ما تيسر من القرآن وروايةالأخبــــار الواردة فى مبدأ أمـــر النبى ومــــا وقع فى مــولده من الآيات, ثم يمدّ ســـمــــاط يأكلونه وينصرفـــون من غيـــر زيادة على ذلك من البدع الحــــسنةالتى يثاب عليـــــها صاحبها, لما فيه من تعظيم قــدر النبى وإظهار الفرح واللاستبشار بمولده الشريف. قـــال: وقد ظهر لى تخريجه على أصل صحيح, غــير الذى ذكره الحافظ ابن حجر, وهو مــا رواه البيــهقى عن أنس رضى الله عنه أن النبى عقَّ عن نفـــسه بعد النبوة, مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عق عنه فى سابع ولادته, والعقيقة لا تعاد مرة ثانية, فيـــحمل ذلك على أن هذا فعله إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين وتشريعاً لأمته كما كان يصلى على نفسه لذلك, فيستحب لنا أيضاً إظهار الشـــكر بمولده بالاجتماع والطـــعام ونحو ذلك من وجوه القربات. وقال السبكى أيضاً فى شرح سنن ابن ماجة: الصواب أنه من البدع الحسنة المندوبة إذا خلا عن المنكرات شرعاً. انتهى.
** قال الإمام أبو عبد الله بن الحاج فى كـــتابه المدخل: فضيلة الشهر العظيم الذى فضله الله تعالى وفضلـــنا فيه بهذا النبى الكريم الذى منّ الله علينا فيه بسيد الأولين والآخرين, كان يجب أن يزداد فــيه من العــبادة والخير شكـــراً للمولى على ما أولانا به من هذه النعم العظيـــمة, وإن كان النبى لم يزد فيه على غــيره من الشهور شيئاً من العبادات, وما ذاك إلا برحمته لأمته ورفقة بهم لأنه كان يترك العمل خشـــية أن يفرض على أمــته رحمة منه بهم, لــكن أشار إلى فضيلة الشهر العظيم بقوله للسائل الذى سأله عن صوم يوم الاثنين:" ذاك يوم ولدت فيه" رواه مسلم, فتشريف هذا اليوم متضمن تشريف هذا الشهر الذى ولد فيه, فينبغى أن نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضــل الله تعالى به الأشهر الفــاضلة وهذا منها, لقوله :" أنا سيد ولــد آدم ولا فخر, آدم فمن دونه تحت لوائى" وفضيلة الأزمنة والأمكنة خصها الله تعالى به من العبادات التى تفعل فيهــا, وإنما يجعل التشريف بما خصت به من المعانى, فانظر إلى مــا خص الله به هذا الشهر الـــشريف ويوم الأثنين, ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم لأنه ولد فيه ؟ انتهى.
** قال الحافظ السخاوى فى فتاويه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح فى القرون الثلاثة الفاضلة, وإنما حدث بعد, ثم لازال أهل الإسلام فى سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون فى شهر مولده بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهيجة الرفيعة ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون فى المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. . انتهى.
** قال الإمام العلامة ابن الطباخ فى فــتوى نقلهــا صاحب الســيرة الشامية: إذا أنفق المنفق تلك الليلة وجمع جمعاً أطعمهم ما يجوز إطعامه وأسمعهم ما يجوز سماعه ودفع للمسمع المشوّق للآخرة ملبوساً, كل ذلك سروراً بمولده فجميع ذلك جائز ويثاب فاعله إذا أحسن القصد. انتهى.
** قال الإمام جمــال الدين الكتانى: مــولد رسول الله مبجل مكرم قُــدِّس يوم ولادته وشُرِّف وعظم, وكــان وجوده مبـــدأ ســـبب النجاة لمن اتبعه, وتقليل حظ جهنم لمن أُعدّ لها لفرحه بمولادته وتمت بركاته على من اهـــتدى به, فمن المناسب إظهارالسرور وإنفاق الميـــسور وإجابة من دعاه رب الوليمة للحضور. انتهى من سيرة خير العباد.
** وقال الإمام العلامة التَّزمَنْتى رحمه الله: هذا الفعل لم يقع فى الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحــبهم له إعظاماً ومحبة, ولا يبلغ جمــعنا الواحد منهم ولا ذرة منه, وهى بدعة حسنة إذا قــصد فاعلهـــا جمع الصــالحين والصلاة على النبى وإطعام الطعام للفقراء والمساكين, وهذا القدر يثاب عليــه بهذا الشرط فى كل وقت, وأما جمع الرعاع وعمل السماع والرقص وخلع الثياب على القواِّل بمروديته وحسن صوته فلا يندب بل يقاوب أن يذم. أنتهى. وقال فى موضع آخر: ليس هذا من السنن, ولكن إذا أُنفق فى هذا اليوم وأظهر السرور فرحاً بدخول النبى فى الوجود, وإنشاد ما يشوِّق إلى الآخر ويزهّد فى الدنيا فهذا اجتــماع حسن يثاب قــاصد ذلك وفاعله عليــه, واجتماع الصلحــاء فقط ليأكلوا ذلك الطعام ويذكروا الله تعالى ويصلوا على النبى يضاعف لهم القربات والمثوبات . . انتهى.
** قال الإمام العــلامة الجزرى شيخ القراء فى فــتاويه: هذه بدعة لا بأس بها, ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة, وإما إذا لم تراغمها فلا تكره ويثاب الإنسان بحسب قصده فى إظهار السرور والفرح بمولد النبى لعمرى إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم. انتهى.
** قال الإمام الحافظ أبو شــامة فى كتابه الباعث على إنــكار البدع والحوادث. قــال الربيع: قال الشافــعى رحمه الله: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً, فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ماأُحدث من الخير مما لا يخالف فيه لواحد من هذا فهى محدثة غير مذمومة, وقد قال عــمر رضى الله عنه فى قيام رمضان: نعمت البدعة هذه, يعنى أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها ردُّ لما مضى. انتهى. قال الصالحى فى ســيرته: فالبدعةالحسنة متفق على جواز فعلهــا والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فــيها, وهى كل مُبْتَدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشئ منها ولا يلزم من فعله محذور شرعى. ومن أحسن مــا ابتدع فى زماننا هذا القبيل, ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام فى اليوم الموافق ليوم مولد النبى من الصدقــات والمعروف وإظهار الزينة والســرور, فإن ذلك مع ما فيه من الإحســان إلى الفقراء مُشـعر بمحبه النبى تعظيمه وجلالته فى قلب فاعله وشكر الله تعالى على ما مَنَّ به من إيجاد رسول الله الذى أرسله رحمة للعالمين.
** قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه: أول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل الملك المظــهر أبو سعيد كوكوبرى بن بكتكين, كــان يعمل المولد الشريف فى ربيع الأول ويحتفل به احــتفالا هائلاً, وكان شهماً شجاعاً بطلا عاقلاً عادلا رحــمه الله وأكرم مثواه وزوجته أخت صلاح الدين الأيوبى, حكت عنه أن قــميصه كان من كرباس غليظ لا يــساوى خمسة دراهم, قالت: فعاتبته فى ذلك, فقال: ألبس ثوباً بخمسة دراهم وأتصدّق بالباقى خــيرمن أن ألبس ثوباً مثمناً وأدع الفقــير والمسكين