استنادا الى دراسة جديدة، فان المجرات الاولى من ماضي الكون السحيق كانت قد نـَمت بشكل اسرع مما توقع الفلكيون. فقبل ما يقارب 11 مليار سنة، اي عندما كان الكون في خمس عمره الحالي، كوّنت هذه المجرات معظم نجومها. يقول واضع الدراسة، بيتر فان دوكوم من جامعة ييل: "لقد توقعنا ان نشاهد هذه المجرات وهي في خضم عملية تكوين النجوم".
ان هذه المكتشفات هي –بشكل ما– محيرة للفلكيين، وذلك لانهم يعرفون ان الكون ممتليء تماما بالنجوم حاليا (ففي مجرة طريق الحليب يوجد 400 مليار نجم)، وان هناك القليل جدا من عمليات تكوين نجوم جديدة جارية حاليا في المجرات الكبيرة. يقول فان دوكوم: "ان النجوم قد تكوّنت في زمن معين، ولكن لا احد يعلم متى".
واعتمادات على نتائج الدراسة، التي تمت باستخدام مرقاب جيمني في تشيلي، فان مولد النجوم في هذه المجرات العظيمة لابد ان يكون قد حدث "في زمن ابكر بكثير وبقوة اشد بكثير مما كان يعتقد سابقا"، على حد تعبير فان دوكوم.
يعتقد العلماء ان الثقوب السوداء في مراكز هذه المجرات المبكرة ربما تكون قد منعت تشكيل النجوم، ويُعتقد كذلك بانها لازالت تعلب نفس الدور في المجرات اليوم. وبينما تلتهم هذه الكتل الكثيفة المادة من حولها، فانها تطلق نفثات شديدة القوة الى الفضاء المحيط. هذه النفثات القوية ربما تكون قد سخـّنت غازات المجرة مؤدية الى منعها من التكثف وتكوين نجوم. ان ذلك يُعد نوعا من التحكم في ولادة نجوم جديدة.
والمشكلة الوحيدة ان الفلكيين لم يفهموا حتى اللحظة الكيفية التي تـُسخن بها النفثات تلك الغازات. ومن الممكن ان النفثات هي غير مسؤولة اطلاقا عن ذلك. ويحتمل ان يكون هناك مصدر آخر للطاقة هو المسبب لذلك، غير ان الفلكيين لم يكن لديهم نظريات اخرى يعملون بها.
يقول فان دوكوم: "نحن لا نفهم بالضبط كيف تجري هذه العملية. المشكلة تمكن في اننا لا نملك الكثير من النظريات المرشحة الاخرى". وكانت دراسات سابقة قد اوضحت ان الثقوب السوداء تعلب دورا في منع تشكيل النجوم، والمساعدة على تكوينها في نفس الوقت. وقد وجدت دراسة نشرت في مجلة الطبيعة ادلة على ان الثقوب السوداء ربما تكون حجبت تشكيل النجوم في المجرات العملاقة المجاورة، والتي تمتلك القليل فقط من النجوم اليافعة.
ولكن دارسة اخرى وجدت ادلة على ان النفثات من الثقوب السوداء قدحت عملية انهيار سحب الغاز الكثيفة، والتي اصبحت حاضنة النجوم. ويشير فان دوكوم: "هذا ما يجعل الامر صعبا، فنحن نرى ادلة على كلا الامرين".
واستنادا الى فان دوكوم فان النفثات ربما قدحت تشكيل النجوم في تأثير قصير المدى، كما لو كانت (صعقة) مفاجئة، ولكنها تتخلى عن ذلك لاحقا الى تأثير شبكي في التسخين، يمنع الغازات من التكثف. ان ما يعرفه الفلكيون حق المعرفة هو ان هناك شيئا ما ينفح تكوين النجوم، حيث ان من الطبيعي للمجرات ان تكوّن نجوما طالما ان "هناك الكثير من الغاز المتاح في الكون"، استنادا الى فان دوكوم. والمجرات الصغيرة، التي تفتقر الى الثقوب السوداء المتوفرة في ابناء عمومتها المجرات الكبيرة، والتي جرى تفحصها في صور مرقاب هابل الحديثة، تبدو ممتلئة بالنجوم، والكثير من المجرات الصغيرة اليوم لازالت تشكل نجوم جديدة.
ويأمل فان دوكوم وفريقه في النظر ابعد الى الوراء، اقرب الى زمن الانفجار العظيم، للنظر في ملامح المجرات العظيمة ومن ثم البحث عن ادلة على مولد نجمة. كما انهم يخططون ايضا الى اعادة تفحص المجرات في هذه الدراسة للوقوف على ما اذا كانت الثقوب السوداء حقيقة تقوم بدور "تعقير الكون".