اذا كانت فكرتك عن المرح تتمثل في التمتع بركوب الالات الدوارة الكبيرة في المهرجانات، فقد وجد الفلكيون مغامرة فلكية سوف تسترعي انتباهك. فاستنادا الى دراسة حديثة، يدور نجم حار ذو ازيز حول نفسه بسرعة تقترب من سرعة التحطم. ويتسائل الفلكيون فيما اذا كانت المادة سوف تقذف من النجم المعروف بـ(الفا الراعي Alpha Arae).
يقول الباحث فيليب ستي من مرقاب كوته دازرو في فرنسا: "ان النجم الفا الراعي هو قريب جدا من سرعة التحطم، والمادة قد تهرب بحريّة من منطقة خط استوائه، حيث تنطلق بمساعدة القوة الطاردة المركزية، كما لو كنت راكبا احد مكائن الطرد المركزي في مدينة الالعاب".
يقع نجم الفا الراعي على بعد 300 سنة ضوئية من الارض وهو اقرب نجم نوع Be، وهو صنف من النجوم يدور بسرعة عالية وذو سطوعٍ عالٍ، ويكون اكبر واشد حرارة من الشمس. وقد اكتشف الفلكي الايطالي الاب انجيلو سيجي اول نجم نوع Be في 23 أب 1866، وهو النجم كاما ذات الكرسي Cassiopeiae. ومنذ ذلك الحين حيّرت هذه النجوم الدوّارة الفلكيين.
ومن بين الامور المحيّرة هناك قضيتين يبلغ عمرهما 140 سنة: كيف تكونت حلقة الغاز التي تحيط بالنجوم نوع Be؟ وما الذي يبقي قرص الغاز في حالة حركة؟ ان نتائج الدراسة الجديدة تمكن الفلكيين من الاقتراب اكثر للاجابة على هذه الاسئلة.
الحاجة الى السرعة
يقول كين غايلي، وهو باحث في جامعة ايوا ومشارك في الدراسة: "تتطلب المادة التي تدور في مدار واقع ضمن قرص، قدرا كبيرا من العزم الزاوي. ومصدر هذه السرعة التدويرية يتأتى من النجم الدوار المركزي". تفحّص ستي وزملاؤه النجم نوع Be وحلقته باستخدام مرقاب جنوب اوربا ذي المنظار الكبير جدا والمنصوب على قمة جبل بارانال في تشيلي. وقد نظروا الى حلقة النجم الفا الراعي بدقة تعادل رؤية مصابيح السيارات على القمر، كما يقول الفلكيون.
الملاحظات السابقة للنجم الفا الراعي بينت ان النجم رغم سرعته العالية الا انه لم يكن يدور بسرعة كافية لتوفير العزم الزاوي المطلوب للحفاظ على القرص. وقد تم التوصل الى عامل محدد واحد يتحكم في ميل النجم، او زاوية الانحدار، وهو عامل رئيس في معرفة سرعة الدوارن المضبوطة.
ويوضح ستي ذلك بالقول: "انه في غاية الصعوبة معرفة فيما اذا كان النجم يدور ببطء، او انه يدور بسرعة ولكنه يُشاهد كما لو كان في حالة وثب." وباستخدام البيانات التي وفرها مرقابهم ونموذج حاسوبي معقد، تمكن الفريق من احتساب سرعة دوران النجم الحقيقية.
وقد وجدوا انه على خط استواء النجم تبلغ سرعة دوران النجم مليون ميل في الساعة (470 كيلومتر في الثانية) وهي تقارب السرعة التي تؤدي الى تحطم النجم. وبذلك يكون النجم سريعا بما فيه الكفاية لتوفير العزم الزاوي المطلوب للقرص. ان هذه السرعة التدويرية العالية يمكن في الحقيقة ان تسبب تطاير بعض مواد النجم.
الغموض لازال قائما
عزل الفلكيون ايضا مناطق صغيرة جدا ضمن القرص ودرسوا سرعة المنطقة باستخدام ظاهرة دوبلر Doppler effect وهي موجات تضاغط وتمدد من الاشعاع، والتي تسبب –في حالة الصوت– تغير صوت صافرة الانذار في سيارات الاسعاف عندما تقترب منك، عنه عندما تبتعد عنك.
يوضح ذلك ستي بالقول: "على سبيل المثال، اذا كانت المادة تسبح في اتجاهك فستبعث ضوءا بازاحة نحو موجات ضوئية اقصر (كالازرق)، بينما اذا كانت تسبح مبتعدة عنك فستكون الازاحة نحو موجات ضويئة اطول (كالاحمر)". وقد وجدوا ان سرعة مواد القرص تتناسب عكسيا مع الجذر التربيعي للمسافة من النجم. ومع ذلك يبقى الفلكيون في حيرة تجاه ماهية العمليات الفيزيائية التي تكون القرص المحيط بالنجوم نوع Be.
ان الكثير من النجوم وحتى بعض الكواكب تزدهي بقرصها الغازي. وقد وجد الفلكيون ان هذه الاقراص تتكون نتيجة جسم سماوي يقوم بسحب المادة النجمية لتدور في مدار حوله. واعتمادا على كثافة المادة المحيطة فان كثافة الحلقة الغازية الناتجة قد تكون اما ممتلئة ومزدحمة او متناثرة. في حالة النجوم نوع Be فان الاقراص تكون كثيفة الى حد ما.
يقول غايلي: "تظهر مثل هذه الاقراص الكثيفة عموما فقط حول النجوم التي تشكلت من مناطق ذات كثافة غازية عالية، ولذلك فهي تحاكي بيئتها حين تكوّن الاقراص. لكن النجوم نوع Be تكون قد افرغت بيئتها من المادة، لذلك يتوقع ان القرص لابد ان يكون قد جاء من النجم نفسه، وهو امر غير معتاد."
ان معدل سرعة الدوران العالي في خط الاستواء يسبب لفظ المادة من النجم لتنضم الى القرص الدوار. يقول ستي: "ان الدوران الحرج قد يكون اشارة الى (ظاهرة Be) بسبب اننا كنا نقلل من شأن الدوران الحقيقي للنجم والمقاس باجهزة قياس الطيف".
تعزيز النظرية
لقد دعم العديد من الفلكيين نظرية ان النجم نوع Be يوفر المادة اللازمة لتكوين القرص، ولكنهم لم يجدوا الدليل على ان السرعة كانت عالية بما فيه الكفاية لتحدث تطايرا في المادة. يقول غايلي: "ولكن ذلك يتطلب ان يدور النجم تحت القرص بسرعة (حرجة) وهي احدى النتائج المهمة في ملاحظات ستي. لذلك فاننا متفائلون بان هذا البحث هو خطوة اولى في عملية تأكيد هذه الرؤية النظرية الشاملة".
ولاضفاء المزيد من الرونق على هذه النظرية النجمية، يتوجب ايجاد بعض التفاصيل الدقيقة عن عملية تكوين القرص. يقول ستي: "لازلنا لا نعلم فيما اذا كانت المادة حول النجم تتطاير بما يقارب السرعة الحرجة، او فيما اذا كانت ستعيد الكرة قريبا جدا. كما نجهل ما اذا كانت النجمة تلفظ المادة في عملية انفجارية ضخمة، او تدريجيا عن طريق خسارة المادة بشكل مستمر".